( عذرا ًياأمــــــــي )

ما إن انتصفَ الليل ُحتى خيمَ الصمتُ على أزقةِ القرية، وكــأنها طفل صغيرداعبَ النعاسُ جفنيه ليغطَ فــــي نوم ٍ عميق.....
ولكن مازال هناك صخب، وأصوات تُسمع من منزل السيدأحمد حيث أعتادتْ سهام وهناءعلــــى النوم ِفي ساعــات متأخرة من الليل في هذه الإجازه.
فسهام تقضي معظم أوقاتها على اللعبِ في جهازالحاسوب والإستمتاع باللعب لساعاتٍ طوال ...
ففي إحدى الليال وبينما سهام تلعب كعادتها على جهازالحاسوب دخلتْ اختها هناء ذاتَ العشرةأعوام والتي تصغرها بعامين وطلبتْ من سهام أن تسمح لها باللعب ولو قليلا ً‘ولــــكن سهام رفضت طلب هناء، وشب عراك ومشادة عنيفة بين الأختان، فأعتلى صوت بكاءهناء، وعلى إثرها توجهت الأم إليهما لتفض هذاالشجار.. دون جدوى مما جعلها تستشيط غيظاً من تصرفات سهام حينها سحبتْ مقبس الحاسوب وهي تقول:
في يوم الغد سأشتري لأختك الكثيرمن الألعاب أما أنت فلا شيء لك جزاء أنانيتك اللامتناهية، وصفقت الباب وراءها بعد أن عنفت ابنتها بحنق ٍ شديد فإغتاظت سهام من أمها وأجهشتْ في البكاء وهي تقول في أعماقها: أمي لاتحبني كثيرا ًًأما هناء فهي تحظى بكل الحب والإهتمام البالغين...
وأخذتْ الأفكارتتوارد إلى مخيلتها حتى لاحتْ لها فكرة جنونية، لتكتشف منها مقدار حب أمها لها، فقفزت على الفور مـن مكانها لتخبئ عبائتهاوحذائها في غفلة من أهلها، وتركت رسالة صغيرة ألصقتها على سطح المرآة.
وبعدها فتحت خزانتها وإختبأت وسط الثياب المتدلية، وسط صمت شديد وهي تترقب بلهفة ردة فعل والدتها إذاعلمت بأمر إختفائها...
وبعد لحظات أقبلت الأم لتطبع على خَدّي ابنتها ُقبلة حنان قُبيل أن تخلد للنوم لأنها أحست بأنها قست قليلا ًعلى سهام.
ولكن ماإن فتحت الباب حتى ذهلتْ، المصابيح مضاءة.. والغرفةخالية..!!!
إلى أين عساها ذهبت ؟
أخذت تنادي حينها...عزيزتي سهام أين تختبئين؟
أعلم أنك متضايقة مماحصل ولكني اتيتكِ معتذرة...
ولكن.. لم تسمع لندائها من مجيب!!
فأخذت تجوب أرجاءالمنزل ولكن عبثا ًلم تجدها.
في بادئ الأمر أعتقدت أنها مجرد مزحة او دعابة، فعادت أدراجها لتتفحص غرفة سهام من جديد، فلم تجدها!
ولاحظت أمرا ًغريبا ً، عباءة سهام مفقودة بل وحتى حذائها.. ما الأمر يا تٌرى؟!
إنتبهت الأم إلى قصاصة ورق ملصقة على سطح المرآة، كتب عليها وداعا ًيا أمي، فقد هجرت المنزل إلى الأبد سأرحل لعالمٍ مجهول علني أجد من يسقيني جرعات حب وحنان لا أجدهاعندكِ...
كانت تلك الكلمات كالصاعقة فأطلقتْ الأم صرخةً دوتْ أصدائها أرجاءَالمنزل وهرعتْ مذعورة لزوجها وأرته الورقة وهي ترتعش بشدة فقد تملكها الجزع والخوف الشديد على ابنتها.....
قرأ زوجها الورقة، وهب مسرعا ًللشارع وهو يطوي المسافات طياً يتفحصه بعينيه طولا ًوعرضا ً‘ فتبعتهُ زوجتهُ لتستطلع الأخبار.... فدخل بعد برهةِ مطرقا ًرأسهُ نحو الأرض وقد ترقرقت في عينيه الدموع وهو يقول:
لاأثر لإبنتنا ياسلمى... وكــأنها حبة رمل ضيعتها الريح.
لم تحتمل سلمى ماحدث، فأرتعدت فرائصها فقدماها غير قادرتين على إحتمال جسدها المثقل بأعباء الحياة وهمومها، فسقطت أرضا ً ًمغشيا ًعليها...
فتعالتْ صيحات هناء وأبيها من شدة الخوف على الأم المسكينة فأسرع الأب وهو يعدُ أنفاسهُ اللاهثة صعودا ًوهبوطا ًوأمسك بسماعة الهاتف، وطلب سيارة إسعاف لزوجته التي غرقت في لجةِ الخوف والحزن العميق ...
وبعد لحظات قصيرة وصلتْ المساعدة وهرع الطاقم الطبي لمعاينة الأم المسجاة أرضا ًونقلوها لغرفتها...
وفي هذه الأثناء وبينما سهام لم تدركْ مافعلته بأمها... إنسلتْ من غرفتها لتشبع فضولها النهم، فثمة أصوات غريبة وجلبة غير مألوفة بالداخل .
ترددتْ في بادئ أمرها ولكنها استجمعت قواها وأمسكت بمقبض الباب وفتحت غرفة والديها‘ وفوجئت بما يجري... ولكن الجميع أيضا ًوقفوا والدهشة تغشاهم وكان الصمت مطبقا ً، لحظة دخول سهام الغرفة...
فقد إنتبهت سهام لأمها وقد أحاطتها الطبيبة والممرضات !!!
فأحست بالخوف والإرتياع فهي أدركت في قرارة نفسها فداحة خطتها....
في حين لم يتمالك الأب غضبه الشديد من تهور إبنته، فلم يسألها أين كانت حينها..؟. وإندفع ناحيتها مسرعا ًوصفعها على وجهها وهو يقول:
كدت تقتلين أمك دون إدراك منكِ .
وفي هذه الأثناء إستفاقت الأم من غشوتها وهي تتفحص المكان بعينيها لتتفاجأ بوجود إبنتها التي ظنت لوهلة بأنها فقدتها للأبد...
فإبتسمت ونسيت آلامها وفتحت باعها لتحتضن ابنتها فكان اللقاءُ حارا ً...
وأرتمتْ سهام في أحضان أمها وهي تُقَّبلها ودموعها كالسيلِ الهادر تسبق الكلمات ....
فاليوم أدركت سهام بأن الغيرة سلاح يهلكُ صاحبهُ ومن حولهِ وأنَ الأم نبعُ لاحدودَ له من الحبِ والحنانِ‘ والعطاء فلو أصاب أمها أي مكروه بسببها لعاشت عذاب الضمير مدى الحياة....